مراجعة الحلقات 1-2-3 من مسلسل See – خالية من الحرق - مراجعة
مع وجود العديد من خدمات البث ابتداءً من نيتفليكس ووصولاً إلى الخدمات الجديدة مثل ديزني بلاس، كانت آبل تدرك أهية تقديم شيء مميز لكي تدخل هذا القطاع الضخم بقوة وتتمكن من المنافسة مع انطلاق خدمتها Apple TV+ رسمياً في الأول من نوفمبر 2019. وهي تفعل هذا تماماً عبر تقديم هذا المسلسل الضخم الذي كلفت كل حلقة فيه وفقاً للتقارير 15 مليون دولار، من بطولة نجوم كبار أبرزهم جايسون موموا (Aquaman و GoT) وآلفري وودارد (Luke Cage و A Series of Unfortunate Events)، ومن إخراج فرانسيس لورينس (Red Sparrow) وتأليف وإشراف ستيفن نايت (Peaky Blinders).
يقدم See ملحمة خيال علمي تجري أحداثها في عالم مدمر بعد عدة قرون من انتشار فيروس في القرن الواحد والعشرين تسبب بقتل أغلب البشرية على الأرض باستثناء مليوني شخص تقريباً تمكنوا من النجاة، لكنه ترك الناجين مصابين جميعهم بالعمى بدون استثناء. يبدأ المسلسل من منتصف الصراع، فيشرح للمشاهد كل ما حصل في سرد صوتي سريع، حيث يستعد قائد القبيلة القوي بابا فاس (جايسون موموا) للدفاع عن قبيلته ضد عدو يقترب منهم في الوقت الذي تلد به زوجته مارغا (هيرا هيلمان) بمساعدة حكيمة القرية باريس (آلفري وودارد). ونكتشف شيئاً فشيئاً كيف أن ما تبقى من البشرية قد انقسم إلى قبائل منفصلة وأصبحت فكرة الرؤية بحد ذاتها تعتبر نوعاً من الهرطقة والسحر، وهي شيء لا يمكن تخيله حتى لدرجة أنه أصبح شيئاً مخيفاً أو حتى لعنة بدلاً من أن يكون خلاصاً بنظر الناس.
قامت الشبكة بذكاء بتوفير أول 3 حلقات من المسلسل في وقت واحد لتتمكن من شد المشاهدين لمتابعة المسلسل، حيث أن الحلقة الأولى وحدها قد لا تكفي لجذب المشاهدين بسبب العالم الشاسع والشخصيات والفصائل العديدة والمتنوعة التي تتكشف لنا أكثر فأكثر مع كل حلقة، وتنهي الحلقة الثالثة بنهاية معلقة ومشهد مؤثر للغاية يترك المشاهدين يتوقون لمعرفة ما ستجلبه الحلقات القادمة. حتى أن هذه الحلقات الثلاث تمتد على مدى عقدين تقريباً من الزمن مما لا يترك مجالاً للشعور بالملل بالرغم من تباطؤ الأحداث أحياناً في بعض المشاهد.
كما يقدم المسلسل مشاهد آكشن مليئة بالإثارة والدموية وقطع الحناجر والرؤوس (نعم لن يناسب المسلسل ضعاف القلوب كثيراً)، تكملها الموسيقى التصويرية الرائعة من تأليف بير ماكريري (Godzilla: King of the Monsters و Child's Play)، وبالرغم من أن موموا يمتاز بقدرات حركية مبهرة إلا أن المشاهد القتالية تحافظ على الواقعية مع تصميم قتالي رائع باستخدام أسلحة بدائية قريبة المدى كالسواطير والفؤوس لكنها لا تكسبه هو أو بقية المقاتلين قوى خارقة (كما حدث لشخصية Daredevil على سبيل المثال الذي ذكرني به المسلسل كثيراً بسبب فكرة عدم قدرته على الرؤية بعينيه)، بالرغم من أن انعدام الرؤية أدت في نهاية المطاف إلى تطوير حواس أخرى خارقة نوعاً ما، فنجد القبائل تحتوي على فئات مختلفة بعضها قادر على التبصر أو الإحساس بأعداد العدو وتوجههم وغيرها من الأشياء مثل المستبصرين والأيورا، في حين أن هناك فئات أخرى تظهر في الحلقات التالية، والتي لديها القدرة على التحرك من دون أن يشعر بها أحد وتسمى الظلال.
أما من ناحية المشاهد البصرية، يقدم المسلسل أحد أروع العوالم التي تم تصويرها في كولومبيا البريطانية في كندا، حيث تظهر الجبال الرائعة المغطاة بالأشجار والشلالات الهادرة والغابات ذات الأشجار الطويلة التي تتخللها أشعة الشمس والينابيع الهادئة لتعطي نطاقاً ملحمياً، وتذكرنا كيف أن الأرض استعادت نضرتها وازدهارها مع زوال البشر القادرين على الرؤية الذين هيمنوا عليها يوماً. وبالمقابل تظهر بيئات أخرى نرى فيها بقايا الإنسان المتمدن، أحدها سد متهالك لا زال يوفر نوعاً من الكهرباً والذي تمركزت به الملكة الشريرة كاين التي تلعب دورها سيلفيا هوكس (Blade Runner 2049).
وكما رأينا في العروض الدعائية للمسلسل، تبدأ القصة فعلياً عندما ندرك أن ولدي بابا فاس التوأم ولدا مع قدرة على الرؤية، الأمر الذي وصل إلى مسامع الملكة قبل حدوثه فترسل مساعدها تاماكتي جون زعيم صائدي الساحرات (يلعب دوره كريستيان كامارغو من مسلسل Penny Dreadful) سعياً للإمساك بهما بأية وسيلة ممكنة. لكن لن أكشف المزيد عن القصة تفادياً للحرق.
ومن ناحية أخرى، يعاني المسلسل أحياناً من لحظات قد لا تكون منطقية في عالم من البشر المصابين بالعمى، مثل ارتداء الملكة تاجاً أو فستاناً يحتوي على زخارف في وقت لا يمكن لأحد أن يراها أو حتى يصنع هكذا فستان، كما أن هناك مشهد يواجه به موموا دباً فيحاول لفت نظره ليبعده عن التوأم فيصرخ له: انظر إلي انظر إلي بالرغم من أن المسلسل يشدد طيلة الوقت على فكرة أن البشر لا يفهمون تماماً فكرة البصر بل ويعتبرونها ضرباً من العربدة والسحر. لكن مع ذلك لم تكن هذه التفاصيل كافية لتجعلني أشعر بالانزعاج أو الملل أو أخرج من الاندماج بالأحداث المثيرة.
يقدم طاقم الممثلين جميعهم أداءً رائعاً، بداية من موموا الذي يتألق كمحارب عملاق ودموي، وكأب وزوج حنون أيضاً، ووصولاً إلى آرتشي ماديكوي بدور ابنه كوفون ونسيتا كوبر بدور ابنته هانيوا. إلى جانب أداء رائع من ماريلي توكينغتون بدورو سوتر باكس المصابة بالحياة الواقعية بدرجة من العمى. كما يمتاز المسلسل بتصاعد حلقاته إثارة خاصة بعد الخروج من حدود القرية ومقر الملكة، فيقدم نطاقاً أوسع بكثير وأكثر إثارة، ويظهر الدمار البشري بشكل أكبر، مما يضفي إحساس عالم ما بعد الكارثة أكثر من أول حلقتين، وتنتهي الحلقة الثالثة بنهاية معلقة مثيرة للغاية تترك المشاهد يتوق للمزيد.
الخلاصة
يقدم مسلسل See، والذي سيحظى بموسم ثانٍ، قصة ملحمية في عالم مدمر مع الكثير من الصراعات والخرافات والشخصيات العميقة والفئات المختلفة وعنصر الخيانة والغموض الذي يتكشف شيئاً فشيئاً، مع أداء رائع من الممثلين ومشاهد قتالية مليئة بالإثارة والدموية في عالم لم يعد الإنسان فيه قادراً على الرؤية. هذه الحلقات الثلاث كانت كافية لتترك المشاهدين يتوقون لمعرفة المزيد حول هذا العالم الغامض والشخصيات الرائعة، ولتظهر أن المسلسل يحمل إمكانيات ضخمة ونطاقاً واسعاً، وتمهد الطريق لفرصة أن يكون أحد المسلسلات المتميزة في السنوات القادمة.